رحلة بيا ما بين عزيمة أمٍ لا تلين ورعاية مستشفى عالمي منقطعة النظير

26/09/2025
أسرة بيا الأم والأب وأطفالهم الأربعة
أسرة بيا

جاءت بيا إلى العالم كالابنة الصغرى من بين أربعة أطفال إذ كانت التوأم الأصغر في خلال حمل والدتها نيزا الثاني بتوأمها.

منذ أيامها الأولى، برزت بيا ببريقها، وثباتها، ومشمولةً بحب عائلتها. كانت حياتها في سلوفينيا مفعمة بالحيوية والبهجة، حتى قبل أسبوعين فقط من عيد ميلادها الأول، تغير كل شيء باكتشاف ورم في قلبها.

 

ما تلا ذلك كان رحلة عبر بلدان عدة مليئةً ببعضٍ من أصعب اللحظات التي قد يواجهها الوالدان. ​​هذه قصة بيا، كما ترويها والدتها نيزا، التي ثابرت بعزيمةٍ راسخة وحبٍ لا ينقطع على رحلة علاج ابنتها التي تُوجِت بأنقاذ حياتها في مستشفى جريت أورموند ستريت (جوش - GOSH) في لندن.

 

"هل كنت ستظلين مؤمنة بتعافيها؟ حتى لو ظللت الوحيدة التي تؤمن بذلك؟ بالنسبة لي، كانت الإجابة نعم."

حالة طارئة

 

في نهاية يناير 2024، كنتُ أراقب تنفس بيا عن كثب لأسابيع. لم يجد طبيب الأطفال أي شيء غير طبيعي، لكن حدسي أخبرني أن هناك خطبًا ما. بعد يومين، بدأت تسعل أكثر من المعتاد، وبدت عيناها الصغيرتان اللامعتان متعبتين بشكل لم أرَ مثله من قبل. صرخ حدسي يأنها بحاجة إلى عناية عاجلة.

 

في غضون ساعات، أُدخِلت بيا إلى العناية المركزة في ليوبليانا، سلوفينيا، ووُضعت في غيبوبة مصطنعة طبيًا. وعقب إجراء جراحي قصير، علمنا بخبرٍ مُفجع: بيا لديها ورم كبير في قلبها - أكبر ورم رآه أطباؤها على الإطلاق. كانت معجزة أنها لا تزال على قيد الحياة. في تلك اللحظة، انهار العالم من حولي.

 

أظهرت الفحوصات الإضافية أن حالتها مُعقدة وأنه من الضروري إجراء جراحة بشكل عاجل. بذل فريقها الطبي المحلي كل ما في وسعه لها، وبعد أسبوعين، وبفضل الجهود الاستثنائية التي بذلها فريقها السلوفيني، عُرض علينا نقلها إلى مستشفى جريت أورموند ستريت (جوش)، وهو مستشفى رائدٌ عالميًا في رعاية حالات القلب لدى الأطفال. في تلك الليلة، وأنا مستلقية على السرير مع أطفالي الثلاثة الآخرين، شعرتُ بالخوف والريبة، ولكن أيضًا بأمل بدأ يداعب قلبي إذ منا في طريقنا لأخذها إلى أفضل مكان ممكن.

 

هل يمكن تصديق ما لا يمكن تصديقه؟

كانت الرحلة شاقة: رحلة طبية خاصة، بيا كانت في غيبوبة، وزوجي كان بالفعل في لندن يستعد لوصولنا.

 

عندما هبطنا في ١٢ فبراير ٢٠٢٤، تم إدخالنا مباشرةً إلى جناح فلامنغو في وحدة العناية المركزة للقلب (سي آي سي يو - CICU). أتذكر شعوري بالإرهاق، في بلدٍ جديد، بعيدًا عن أطفالي الآخرين، واحساسي بالرعب مما ينتظرني. لكن عندما دخلتُ حجرتها، شعرتُ بهدوء غير متوقع. رأيتُ مقاتلتي الشجاعة بيا وهي آمنةٌ في سريرها، والممرضة بجانبها، وطبيب القلب يُجري اختبار تخطيط صدى القلب. كان الاحتراف والتركيز مُطمئنين على الفور.

 

هنا التقيتُ لأول مرة بالدكتور ساشين خامبادكون، رئيس قسم أمراض القلب في مستشفى جريت أورموند ستريت. أوضح الدكتور ساشين خامبادكوني أنه على الرغم من أن مستشفى جريت أورموند ستريت قد عالج حالات مماثلة، إلا أن حالة بيا كانت فريدة، وكان لا بد من إجراء عملية جراحية قريبًا. تتمثل الخطوة الأولى في أخذ خزعة لتحديد نوع الورم.

 

وأضاف: "التقيت بوالدي بيا في وقت عصيب للغاية بالنسبة لهما. كانت بيا مريضة للغاية، وتشخيص إصابتها بورم في القلب حالة نادرة جدًا لدى الأطفال. تمكنت من طمأنة العائلة بأن مستشفى جريت أورموند ستريت هو المكان المناسب لهم بفضل خبرتنا في تشخيص وعلاج هذه الحالة النادرة".

 

وفي حديثه عن رعاية بيا، أضاف: "كان العمل الجماعي بين أقسام العناية المركزة للقلب، وأمراض القلب، والتخدير القلبي، وجراحة القلب، والمشورة المتخصصة من أقسام الأورام وعلم الأمراض، استثنائيًا. كوَّن فريق التمريض، الذي كان على اتصال مباشر بالعائلة، روابط قوية جدًا مع بيا ووالديها، وقدّم لهم التوجيه والإرشاد طوال فترة إقامتهم. بيا نفسها أظهرت قوةً هائلة، وبفضل دعم والديها، تعافت بشكل ممتاز".

 

خلال تلك الساعات الطويلة التي نامت فيها بيا، تعرفتُ على الطاقم الرائع. لطالما كنتُ ثرثارة، ولحسن الحظ، كان الكثير منهم كذلك.

 

منحتني تلك المحادثات الراحة وشعورًا بالانتماء. في مستشفى جريت أورموند ستريت، يجتمع الناس من جميع أنحاء العالم لهدف واحد مشترك: رعاية الأطفال. ويمكنك الشعور بهذه الوحدة في كل تفاعل.

 

ثلاثة أسابيع على جهاز التنفس الصناعي

في الأيام التي سبقت خزعة بيا، كانت محاطة برعاية استثنائية. بقيت الممرضات بجانبها على مدار الساعة، وكان بإمكاني زيارتها في أي وقت. حتى عندما خرجتُ، مُنحتُ رقمًا داخليًا لأتمكن من الاتصال مباشرةً بغرفتها والتحدث إلى الممرضة المناوبة، مما شكَّل شرياناً للحياة في عالمٍ مُرهق.

 

كنتُ متوترةً جداً، ودموعي تنهمر باستمرار بينما كان أطباء التخدير والجراحون يشرحون لي بهدوء كل خطوة. رافقتها منى ومايا، ممرضتاها، إلى غرفة العمليات وأبقتاني على اطلاع دائم. خارج نافذتها، تألق عرض ضوئي لـ"بيتر بان"، تذكيرًا صغيرًا ولكنه ساحر بروح التأمل هنا.

 

 

أصبح عيد ميلادها الأول احتفالاً رغم كل شيء. زُيّنت غرفتها بلافتات كُتِبَ علبها "عيد ميلاد سعيد" وتم احضار وهدايا لها، وانخرطنا في مكالمة فيديو عبر "فيس تايم" مع شقيقها التوأم وشقيقتيها في المنزل. حطم ذلك قلبي، لكنه ذكّرني بالحب الذي كان ينتظرها. انضمت الممرضات خارج أوقات العمل للغناء، حتى أن إيما، ممرضة النوبة الليلية، غنت أثناء تغيير الحفاضات في منتصف الليل، فكان لبيا أغنيتان لعيد الميلاد. كان الأمر مؤثراً وجميلاً، دليلاً على اللطف والتفاني اللذين ميّزا رعايتها.

 

 

بعد قرابة ثلاثة أسابيع قضتها على جهاز التنفس الاصطناعي، قام الدكتور مارك هايدن بفصل أنبوب التنفس عنها، وساعدها على أخذ أنفاسها الأولى بدون جهاز التنفس الاصطناعي. كان حمل بيا بدون أنابيب التنفس، ومشاهدتها تتنفس بمفردها، لا يُقدّر بثمن. انتقلنا إلى جناح الدب، حيث ساهمت النزهات اللطيفة، وزيارات غرفة اللعب، والمداعبات مع كلاب العلاج، في خلق لحظات من الفرح بالتدريج، كل منها تذكير بالمرونة والرعاية الاستثنائية التي تم رعايتنا بها خلال هذه المحنة.

 

إزالة الورم الحميد من قلبها - الجراحة التي غيّرت كل شيء

 

كان صباح اليوم الذي تم فيه إجراء الجراحة لبيا ملئ بالتوتر والمشاعر الجياشة. التقينا بالفريق الجراحي، وناقشنا المخاطر، ووقعنا على الأوراق. حاولتُ التماسك من أجلها، لكنني كنتُ أتألم من الداخل. عندما وصل الدكتور مارتن كوستولني، طمأننا حضوره الهادئ والجاد على الفور، علمنا أنها في أيدٍ أمينة.

 

حملها زوجي إلى غرفة العمليات، حيث تم تخديرها بهدوء. قبلناها وهمسنا في اذنها أنها فائزة بالفطرة. كانت مشاهدتها وهي تغادر من أصعب لحظات حياتي.

 

بعد ثلاث ساعات، رنّ هاتفي. كان الدكتور كوستولني على الجانب الآخر من المحادثة. كان صوته ثابتًا ومليئًا بالارتياح: لقد نجحت الجراحة تمامًا. وبينما عانقتُ زوجي، غمرتني موجة من الامتنان وعدم التصديق والفرح.

 

عندما رأينا بيا مجددًا، كانت نائمة بسلام، محاطة بالأنابيب والأدوية. شرحت الممرضات بصبر كل خطوة من خطوات تعافيها، من العلاج الطبيعي والقيلولة إلى زيارات الكلاب العلاجية. عكست كل لحظة المهارة والتعاطف الاستثنائيين في مستشفى جريت أورموند ستريت، ومثلت كل لحظةٍ دليلاً حياً على أن وراء كل إجراء فريق ماهر ومكرس للعناية بالأطفال وعائلاتهم.

 

في حديثه عن الجراحة، شارك الدكتور مارتن كوستولني وجهة نظره حول التحديات والراحة التي شعر بها عند رؤية بيا تتعافى:

"كانت حالة بيا غير عادية، سواءً بسبب ظهور الورم المبكر وأيضاً حجم الورم ومظهره في اختبار تخطيط صدى القلب. استخدم فريقنا متعدد التخصصات التصوير الدقيق للتخطيط للنهج الجراحي. في البداية، لم يكن واضحًا ما إذا كان بإمكاننا إزالة الكتلة تمامًا. خلال الجراحة، اتضح أن ذلك ممكن، لكنني كنت لا أزال أتساءل كيف سيتكيف قلبها مع المساحة الكبيرة المتبقية. وكان مما بعث فينا راحةً كبيرة هو رؤية الكيفبة التي بدأ بها تعافيها واستمراره بسلاسة. ظل والدا بيا متفائلين للغاية طوال فترة إقامتها في المستشفى، وكان ذلك مصدر إلهام عميق بالنسبة لي." 

رسالة من أم

 

أعاد شهر الذي قضيناه في مستشفى جريت أورموند ستريت تعريف الحياة بالنسبة لنا. لقد حظينا بخبرة عالمية المستوى، ولكن أيضًا بدفء وإنسانية صنعت كل الفرق. احتفلت الممرضات بانتصاراتنا الصغيرة، ووقفن إلى جانبنا في أصعب اللحظات، وعاملن بيا ليس فقط كمريضة، بل كطفلة صغيرة لها قصتها الخاصة.

 

رسالتي للعائلات الأخرى هي: تحلوا بالعزيمة والايمان بتعافي صغاركم، حتى لو كنتم الوحيدين الذين يؤمنون بذلك. الأمل يحملكم إلى أبعد مما تظنون، وفريق الرعاية المناسب قادر على تحقيق المستحيل.

 

رسالتي لأطفالي: نحن ممتنون للغاية كوننا حظُينَا بكم. أنتم أقوى مما تظنون، وأشجع مما تظنون، ومحبوبون أكثر مما ستدركون.